JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

الصفحة الرئيسية

الاختيار

 

    في غابر الأيام والأزمان شعر أمير حكيم بدنو أجله، ورأى أن يختبر ولديه الشابين ويختار الأصلح منهما لاستلام الإمارة من بعده،  فيستمر عيشها الرغيد، ويبقى ذكره الطيب في نفوس الناس، راجياً أن يكيلوا له الرحمات لحرصه عليهم حياً وميتاً مما يشفع له في آخرته.  وكان الشابان مهران وعرفان يتسابقان في خدمة أبيهما، ولا يعملان أي شيء يكدر صفوه، ولم يأت أحدهما بتقصير يفيد في المفاضلة بينهما. 

 أرسل في طلبهما فحضرا بين يديه، فأخبرهما بنيته تجاههما، وأن ملك الموت لا ينتظر إذا جاء الأجل، ويريد أن يضع الأمانة بين يدي من يرعى مصالح الناس على الوجه الذي يرضي الله بإقامة العدل بينهم وعدم الظلم، فأعطى كل واحد منهما عكازاً وطلب منهما الحفاظ عليه، فإذا مات فليكسر كل واحد منهما عكازه. فقالا له كما ترغب يا أبانا ودعوا له بطول العمر، ثم أذن لهما وانصرفا.

   خبأ الشابان العكازين وهما يفكران بطلب أبيهما، متسائلين عن المغزى من ذلك. كان عرفان يتقلب في ليلته لا يستطيع النوم، ثم يضحك ويقول ساخراً كيف لهذا العكاز أن يفاضل بيننا ويجعل أحدنا أميراً؟ وبعد أن أعياه التفكير ولم يصل إلى نتيجة غلبه النوم. أما مهران فلم يشغل نفسه كثيراً إلا بما لديه من عمل في يوم الغد، واثقاً من حكمة أبيه الأمير.

 استيقظ عرفان وهو متكدر من قلة نومه فقد أعياه التفكير بالعكاز واللغز الذي لم يتمكن من حلّه، فقرر أن يكسر عكازه ويرتاح من عناء الانتظار الذي حرمه النوم، فكسره. كان العكاز مجوفاً فسقطت منه لفافة ورق ففتحها وقرأ العبارة: (يستلم أخوك الإمارة).  كانت صدمة كبيرة له وقال : هذا ليس عدلاً ! ماذا أفعل الآن؟

 فكان متوتراً طول الوقت وقد لاحظ أخوه مهران ذلك فسأله إن كان يشكو من شيء؟

 فقال له: لا أشكو من شيء سوى ذلك العكاز الذي سيجعل منك أميراً.

فرد عليه مستغرباً: وكيف عرفت؟

فقال عرفان: اذهب إلى عكازك واكسره وهو سيقول لك.

قال مهران مندهشاً: وهل يتكلم العكاز المكسور؟ هل كسرت عكازك؟ لابد أنك تهذي.

  ورأى مهران أن يمثل مع أخيه عرفان بين يدي الأمير ويبلغاه ما حدث، فطلب الأمير من مهران أن يأتي بعكازه ويكسرها أمامهما ففعل، فسقطت لفافة الورق، فقال الأمير أترك قراءتها لأخيك عرفان، فأمسك بها عرفان بيدين مرتعشتين، وقبل أن يقرأ وقع نظره على نفس العبارة التي كُتبت بلفافة عكازه فبُهت ولم ينبس ببنت شفة.

   قال الأمير لولديه برقّة: يا أبنائي إن حكم الإمارة يحتاج لشخص هادئ وصبور ولا يجرفه تسرع ولا انفعال، وبما أنك يا عرفان قد تسرعت بكسر العكاز فقد وهبت الإمارة لأخيك مهران وأنت لا تدري فلا تلومنّ إلا نفسك ولكني أدعوك لأن تكون معيناً له كما كنت معيناً لي بارك الله بك. فطأطأ عرفان رأسه خجلاً وأقر بخطئه وتسرعه وطلب مسامحة أبيه فسامحه، وعزم الأمير على إقامة مراسم تسليم الإمارة لابنه مهران في أقرب وقت.

                                                            محمد خير المصطفى 

                                                                                                   2021 / 6 / 3                                                



الاسمبريد إلكترونيرسالة